كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقال: ووضع الميزان.
يعني: أنزل العدل في الأرض ألا تطغوا في الميزان.
يعني: لكي لا تميلوا عن العدل {وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط} يعني: اعدلوا في الوزن {وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} يعني: لا تنقصوا حقوق الناس في الوزن.
ويقال: {وَأَقِيمُواْ الوزن} يعني: أقيموا اللسان بالقول، {وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان} يعني: لا تقولوا بغير حق.
{والأرض وَضَعَهَا لِلاْنَامِ} يعني: بسط الأرض للخلق {فِيهَا فاكهة} يعني: وخلق من الأرض، من ألوان الفاكهة، {والنخل ذَاتُ الاكمام} يعني: ذات النخيل الطويل، الموقرة بالطلع، ذات الخلق، وإنما العجائب في خلقه، وما يتولد منه لأنه يتولد من النخيل، من المنافع ما لا يحصى.
وقال القتبي: {ذَاتُ الاكمام} يعني: ذات الكوى قبل أن تتفتق، وغلاف كل شيء أكمه {ذَاتُ الاكمام} يعني: ذات الغلاف.
ثم قال: {والحب ذُو العصف} يعني: ذو الورق {والريحان} يعني: ثمره.
وقال مجاهد: {العصف} يعني: ورق الحنطة {والريحان} الرزق.
وقال الضحاك: الحب، الحنطة، والشعير، {والعصف}: التبن وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: {ذُو العصف} الزرع {والريحان} الورق بلسان حمير.
ويقال: {العصف} السنبل {والريحان} ثمرته، وما ينتفع به.
ويقال: {الريحان} يعني: الرياحين، جمع الريحان وهو نبت لا ساق له.
قرأ ابن عامر: {الاكمام والحب ذُو العصف} بنصب الباء، وإنما نصبه لأنه عطف على قوله: {الأرض وَضَعَهَا لِلاْنَامِ} {والحب} يعني: وخلق الحب ذا العصف {والريحان}.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: {والحب ذُو العصف والريحان} بضم النون والباء، لأنه عطف على قوله: {فِيهَا فاكهة} وقرأ حمزة، والكسائي، هكذا إلا أنَّهما كسرا النون في قوله: {والريحان} عطفًا على {العصف} على وجه المجاورة.
وقد ذكر الله تعالى من أول السورة نعماءه، ثم خاطب الإنس والجن فقال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وإن لم يسبق ذكرهما، لأن في الكلام دليلًا، وقد ذكرهما من بعده، وهو قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس} وقال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: فبأي نعمة من نعماء ربكما أيها الجن والإنس {تُكَذّبَانِ} يعني: تتجاحدان بأنها ليست من الله تعالى.
قال بعضهم: {الله لَعَلَّكُمْ} ونعماء الله واحد.
إلا أن الآلاء أعم، والنعماء أخص.
ويقال: الآلاء النعمة الظاهرة وهو التوحيد، والنعماء: النعمة الباطنة وهو المعرفة بالقلب، كقوله: {أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَّا في السماوات وَمَا في الأرض وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهرة وَبَاطِنَةً وَمِنَ الناس مَن يجادل في الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ} [لقمان: 20] وقال بعضهم: {الآلاء} إيصال النعم، والنعماء رفع البلايا.
مثاله أن رجلًا لو كانت له يد شلاء فله الآلاء وليست النعماء.
وكذلك لسان الأخرس، ورجل مقعد، فله الآلاء، وليست له النعماء.
وأكثر المفسرين لم يفصلوا بينهما، وقد ذكر في هذه السورة دفع البلية، وإيصال النعمة.
فكل ذلك سماه الآلاء.
وروى محمد بن المنذر، عن جابر، بن عبد الله، «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على أصحابه سورة الرحمن، فسكت القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الجنُّ كَانُوا أَحْسَنَ رَدًّا مِنْكُمْ، مَا قرأتَ عَلَيْهِمْ {والريحان فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} إلاَّ قالوا: ولا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا فَلَكَ الحَمْدُ».
وفي رواية أخرى: أنه قال: «مَا قرأتُ عَلَيْهِمْ إلاَّ قالوا وَلا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا فَلَكَ الْحَمْدُ».
ثم قال: {خَلَقَ الإنسان} يعني: آدم {مِن صلصال} يعني: الطين اليابس الذي يتصلصل أي: يصوت، كما يصوت الفخار.
ويقال: الصلصال الطين الجيد الذي ذهب عنه الماء، وتشقق.
{كالفخار} يعني: الطين الذي يصنع به الفخار.
وقال في موضع آخر: {يا أيها الناس إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خلقناكم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ في الارحام مَا نَشَاءُ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يتوفى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأرض هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5] وقال في موضع آخر: {الذى أَحْسَنَ كُلَّ شيء خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ} [السجدة: 7] وقال في موضع آخر: {مِن صلصال} فهذا كله قد كان حالًا بعد حال.
{وَخَلَقَ الجان} يعني: أبا الجن.
ثم قال هو إبليس: {مِن مَّارِجٍ مّن نَّارٍ} يعني: من لهب من نار، وليس لها دخان.
وقال بعضهم: خلق من نار جهنم.
وقال بعضهم: من النار التي بين الكلة الرقيقة بين السماء، ومنها يكون البرق، ولا يرى السماء إلا من وراء تلك الكلة.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: فبأي نعمة أنتم.
يعني: خلقكم أيها الإنس من نفس واحدة، وخلقكم أيها الجن من نفس واحدة.
فكيف تنكرون هذه النعمة أنها ليست من الله تعالى؟.
ثم قال: {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} يعني: هو {رَبُّ المشرقين} مشرق الشمس، ومشرق القمر.
وقيل: مشرق الشتاء، ومشرق الصيف {وَرَبُّ المغربين} يعني: مغرب الشتاء، والصيف.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: نعمة أنتم من نعمائه أيها الجن والإنس تتجاحدان؟ ومعناه: أنتم حيث ما كنتم من مشارق الأرض ومغاربها في ملك الله تعالى، وتأكلون رزقه، وهو عالم حيث ما كنتم، وهو حافظكم، وناصركم، فكيف تنكرون هذه النعم.
قوله عز وجل: {مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ} يعني: أرسل البحرين.
ويقال: خلَّى البحرين.
ويقال: خلق البحرين {يَلْتَقِيَانِ} يعني: مالح، وعذب، {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} يعني: حاجز {لاَّ يَبْغِيَانِ} يعني: لا يختلطان فيغير طعمه.
وأصل البغي: التطاول، والجَوْرُ، والظلم.
وقال بعضهم: بينهما حاجز لطيف لا يراه الخلق، وإنما العبرة في ذلك أنه لا يرى.
ويقال: بعضهم ليس هناك شيء، وإنما تمنعهما من الاختلاط قدرة الله تعالى.
ويقال: {يَلْتَقِيَانِ} أي: يتقابلان أحدهما بحر الروم، والآخر بحر فارس.
وقيل: بحر الهند {وَبَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} أي: لا يختلطان {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ}.
بلطف الله تعالى أي: باللطف تمنع عن الامتزاج، وهما بحر واحد، لن يمس أحدهما بالآخر.
وقال الزجاج: البرزخ الحاجز، فهما من دموع العين مختلطان، وفي قدرة الله منفصلان.
وقيل: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} أي: جزيرة العرب.
وقيل: بحر السماء، والأرض، كقوله تعالى: {فَفَتَحْنَآ أبواب السماء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُونًا فَالْتَقَى الماء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 11، 12] وبينهما برزخ الهواء، والأرض، وسكان الأرض.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: خلق البحرين لمنفعة الخلق، وبين لكم العبرة، وقدرته، ولطفه، لتعتبروا به، وتوحدوه، فكيف تنكرون هذه النعمة بأنها ليست من الله تعالى؟.
ثم قال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ} يعني: من بحر مالح اللؤلؤ {وَالمَرْجَانُ} ما صغر منه.
ويقال: اللؤلؤ يعني: الصغار {وَالمَرْجَانُ} يعني: العظام.
وقرأ نافع وأبو عمرو {يَخْرُجُ} بضم الياء ونصب الراء على فعل ما لم يسم فاعله.
وقرأ الباقون: بنصب الياء، وضم الراء.
وقرأ بعضهم: بكسر الراء.
يعني: يخرج الله تعالى، ونصب اللؤلؤ، والمرجان لأنه مفعول به.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: خلق في البحر اللؤلؤ لمنفعة الخلق، ولصلاحهم، ولكي تعتبروا به، فكيف تنكرون هذه النعمة.
ثم قال عز وجل: {وَلَهُ الجوار لِتَجْرِىَ في البحر} يعني: السفن التي تجري في الماء {كالاعلام} يعني: كالجبال فشبّه السفن في البحر بالجبال في البر.
وقرأ حمزة {المنشآت} بكسر الشين.
والباقون: بالنصب.
فمن قرأ: بالكسر يعني: المبتدئات في السير.
ثم قال: {والريحان فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أنه جعل السفن في البحر لمنفعة الخلق، فكيف تنكرون هذه النعمة بأنها ليست من الله تعالى.
ثم قال عز وجل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} يعني: كل شيء على وجه الأرض يفنى {ويبقى وَجْهُ رَبّكَ} يعني: ذو الملك، والعظمة، والإكرام، {ذُو الجلال والإكرام} يعني: ذو الملك، والعظمة، والإكرام، يعني: ذو الكرم، والتجاوز، فلما نزلت هذه الآية، قالت الملائكة: هلكت بنو آدم، فلما نزل {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} أيقنوا بهلاك أنفسهم، وهذا من النعم، لأنه يحذرهم، وبين لهم ليتهيؤوا لذلك.
ثم قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} ومعناه إن الله تعالى يعينكم، فتوكلوا عليه، ولا تعتمدوا على الناس، لأنهم لا يقدرون على دفع الهلاك عن أنفسهم، والله هو الباقي بعد فناء الخلق، وهو الذي يتجاوز عنكم، ويعينكم، فكيف تنكرون ربكم الذي خلقكم، وأحسن إليكم؟.
قوله تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن في السموات والأرض} يعني: الملائكة يسألون لأهل الأرض المغفرة، ويسأل أهل الأرض جميع حوائجهم من الله تعالى.
ثم قال: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} يعني: في كل يوم يُعز، ويذل، ويحيي، ويميت، ويعطي، ويمنع.
وذلك أن اليهود قالوا: إن الله لا يقضي يوم السبت شيئًا فنزل {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} فأخبر الله تعالى أنه يقضي في جميع الأيام، وكان هذا من النعم.
وذكر أن الحجاج بن يوسف الثقفي أرسل إلى محمد بن الحنفية يتوعده قال: لأفعلن بك كذا وكذا.
فأرسل إليه محمد بن الحنفية وقال: إن الله تعالى ينظر في كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة إلى اللوح المحفوظ، وكل يوم يعز، ويذل، ويعطي، ويمنع، فأرجو أن يرزقني الله تعالى ببعض نظراته، أن لا يجعل لك علي سلطان.
فكتب بها الحجاج إلى عبد الملك بن مروان، فكتب عبد الملك بهذه الكلمات التي قالها محمد بن الحنفية، ووضعها في خزانته، فكتب إليه ملك الروم يتوعده في شيء، فكتب إليه عبد الملك بتلك الكلمات التي قالها محمد بن الحنفية، فكتب إليه صاحب الروم: والله ما هذا من كنزك، ولا من كنز أهل بيتك، ولكنها من كنز أهل بيت النبوة.
ثم قال عز وجل: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} يعني: تجحدون نعمته، وأنتم تسألون حوائجكم منه.
قوله عز وجل: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثقلان} أي: سنحفظ عليكم أعمالكم أيها الجن والإنس.
فنجازيكم بذلك.
وروى جبير عن الضحاك في قوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثقلان} قال: هذا وعيد من غير شغل.